الموضوع:
الإيثار
عرض مشاركة واحدة
#
1
12-04-2012, 03:05 PM
فتنة بدو
.:: عضو مميز ::.
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 824
الإيثار
الإيثار .. يجسد مقولة الصديق وقت الضيق !!
عندما يقدم الإنسان حاجة غيره من الناس على حاجته ، فذاك هو الإيثار ، وليس من السهل أن تتوفر هذه الصفة العظيمة وهذه الخصلة الحميدة في أي إنسان ، فلا يتميز بها إلا كبار النفوس ممن منحهم الله جل وعلا قدرا كبيرا من السماحة والنبل والتضحية من أجل إسعاد وقضاء حاجة الآخرين ، وقد خص الله سبحانه وتعالى المؤثرين بآية عظيمة في كتابه الكريم حيث قال (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) ولقد تجلى الإيثار في أحسن صوره عندما جاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعطته بردة هدية فلبسها عليه السلام ، وكان محتاجا إليها ، ورآه أحد أصحابه فطلبها منه ، وقال يا رسول الله ما أحسن هذه أكسنيها ، فخلعها النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاها إياه !! والصورة الأخرى هي عندما انطلق حذيفة العدوي في معركة اليرموك يبحث عن ابن عم له ومعه شربة ماء ، وبعد أن وجده جريحا قال له أسقيك ؟ فأشار إليه بالموافقة وقبل أن يسقيه سمعا رجلا يقول آه ، فأشار ابن عم حذيفة إليه ليذهب بشربة الماء إلى الرجل الذي يتألم ، فذهب إليه حذيفة فوجده هشام ابن العاص ، ولما أراد أن يسقيه سمعا رجلا آخر يقول آه ، فأشار هشام لينطلق إليه حذيفة بالماء ، فذهب إليه حذيفة فوجده قد مات ، فرجع بالماء إلى هشام فوجده قد مات ، فرجع إلى ابن عمه فوجده قد مات ، فقد فضّل كل واحد منهم أخاه عن نفسه وآثره بشربة ماء !!
هاتان صورتان جميلتان من صور الإيثار الرائعة التي شحت في هذا الزمن إلا من رحم ربي ، أستحضرها وأنا أتصفح رسالة من أحد القراء تجسدت فيها صورتين متناقضتين .. يقول القارئ الكريم إن والدته المسنة وشقيقته المعلمة تعيشا في مسقط رأسيهما في إحدى القرى النائية ، ولارتباطهما العاطفي وراحتهما النفسية بالبقاء في القرية وكذلك لظروف شقيقته العملية لكونها معلمة بإحدى القرى المجاورة اضطر أن يوافق على بقائهما هناك بعيدا عنه حيث يعمل في إحدى مدن المملكة البعيدة عن القرية .. وكان لديهما سائق وخادمة ، وفجأة سافر السائق بعد نهاية الفصل الدراسي الثاني من العام المنصرم ولم يعد ، وجاء موعد الفصل الدراسي الأول من هذا العام ، وأسرته بحاجة ماسة إلى خدمات السائق ، وكان قد قدم طلبا جديدا لاستخراج تأشيرة سائق ، ولكن الطلب لا يزال قيد الانتظار ، ولا يمكن وصول السائق الجديد إلا بعد مضي شهر أو شهرين من بدء الدراسة ، ونظرا لظروف شقيقته المعلمة لجأ إلى أحد جيرانه وأحد أقاربه في نفس الوقت في القرية والذي جاء من الرياض ويعتزم العودة والعيش بصفة دائمة في مدينة الرياض هو وكامل أسرته الذين كانوا يسكنون القرية ومعهم سائق، فطلب هذا القارئ من جاره أن يترك له السائق للقيام بخدمة أسرته في القرية مؤقتا ريثما يصل السائق الجديد ، والتزم بدفع راتب السائق خلال فترة بقائه مع أسرته وكذلك تحمل نفقات تسفيره إلى الرياض ، وكان توقيت هذا الطلب في صبيحة يوم عيد الفطر المبارك ، مما يعني لدى القارئ صاحب الرسالة ، أن يكون الإيثار حاضرا في أعلى صوره مع فرحة العيد وبهجته ، ولكن للأسف – كما قال – كان الرد صادما من جاره وقريبه ، حيث اعتذر ذلك الجار عن تلبية الطلب وذكر أنه اجتمع مع إخوانه وتشاوروا في الأمر ووجدوا أنهم لا يستطيعون الاستغناء عن ذلك السائق مؤقتا ، مع العلم – كما قال صاحب الرسالة – أن ظروفهم ليس فيها ما يستوجب ضرورة تواجد السائق كضرورة شقيقته المعلمة ، لم ييأس هذا السائل المحتاج وحاول إقناع جيرانه وتذكيرهم بأنهم عاشوا سابقا فترة طويلة بالرياض وبدون سائق أفلا يستطيعون مواصلة العيش لمدة شهر أو شهرين بلا سائق ؟! يقول هذا المحتاج إنه ( يمون ) على ذلك الرجل القريب فألح في طلب المساعدة ولكن دون جدوى ، مع أنه – كما قال في رسالته – سبق وأن أعطى تلك الأسرة هبة أغلى وأثمن من مجرد سائق مؤقت ولم يتردد وقتها في تنفيذ طلبهم بحكم الجيرة والقرابة !! لم تنته رسالة القارئ الكريم حيث قال ، مثلما هناك وجوه مظلمة وأنفس عابسة فلا تخلو الإنسانية من الوجوه المضيئة والأنفس المستبشرة ، حيث فرجها فارج الكرب بعد أن ضاقت به السبل ، فقد اتجه بطلبه بجميع حيثياته إلى جار وقريب آخر لديه سائق ، فتجلت في هذا الرجل العظيم وإخوانه صورة من أرقى صور الإيثار، وفيض الكرم وسماحة النفس وحب الخير ومساعدة الناس ، وذلك عندما رحب وهلل بالطلب واعتبر ذلك واجبا حتميا تمليه الأنفس المتسامحة ، وتفرضه الجيرة والقرابة والتضامن الأخوي وحسن الخلق والتعامل بين الناس عامة ، وبين الأهل والجيران والأقارب بصفة خاصة .
د . جرمان أحمد الشهري
فتنة بدو
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى فتنة بدو
البحث عن كل مشاركات فتنة بدو